قبل أسابيع صدر العدد الأول لمجلة «أمارلس ست الحسن» في قرطبة. وكان لي الحظ بان تُنشر لي هذا المقالة، مع شكري الجزيل للقائمين عليها

إعتقدتُ أنني سأكتبُ فقط عن مدينة قرطبة الأبدية، ولكن في النهاية وكما يقولون مسقط الرأس يجذبُك. ولدتُ على بعد 250 متر من المُدرج الروماني إلى يسار منزلنا، وإلى يمينه نافورة الحوريات. أيضا وراء هذا المنزل توجد أنقاض عديدة من المعابد بما في ذلك معبد هرقل. تُسمى هذه المدينة حالياً عمّان، ولكن في العصر اليوناني الروماني كانت تُسمى فيلادلفيا

عندما كُنت طفلاً كُنت ألعب في المُدرج الرماني (الذي كان أكبر من أن يصعده طفل)، حينها أدركت دون أن أعرف السبب، أن هذه الحجارة ليست من عمل الناس من حولي. فوق سيل المدينة كان هناك جسر صغير من الحجارة (قيل إنه روماني)، كُنت أعبره وأنا أشعر وكأنني في الأفلام الرومانية التي كنتُ اشاهدها، حاملاً سيفا خشبياً، للذهاب إلى المُدرج وتقليد مشاهد الأفلام.. حتى أنتَ يا بُطرس؟

كل هذه العلاقة بيني وبين التاريخ الروماني، دفعتني إلى الرد على سيدة عندما اقتربت مني في إحدى أنشطة مُنتدى ثــيار، وقالت لي «أنا أشعر بأنني عربية»، دون أن أفكر مرتين أجبتها «وأنا أشعر باني روماني». التاريخ، يجعلنا نندمج في البيئة الإنسانية، مهما كان نوعها. يميزنا ويحل معاضلة: من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون؟

عندما ذهبتُ إلى قرطبة لأول مرة، لحضور «المؤتمر الإسلامي المسيحي العالمي الأول» في عام 1974، ورأيت روعة مظاهرها المعمارية من العصر الروماني والإسلامي، عدتُ إلى طفولتي، وعند عبوري الجسر الروماني الطويل فوق نهر يحمل اسماً عربياً (الوادي الكبير)، شعرتُ بجناحين يكبران بي وأطيرُ فوق مدينة قرطبة الخالدة

كانت قرطبة مرة أخرى هامة في حياتي، لحدثٍ ثقافي آخر «معرض الكتاب العربي الإسباني 2017» والذي نظمه ثــيار، وعُقد في نفس مكان ذلك المؤتمر الإسلامي المسيحي، في مقر مجلس بلديات محافظة قرطبة. وهنا انتهز هذه الفرصة لأعبر عن شُكرنا على الترحيب الحار من قبلهم

كانت هذه مزيد من الأحاسيس التي جابت كياني، قرطبة هي مهدٌ من المشاعر والعواطف النبيلة. هذه المدينة الفريدة من نوعها في العالم، لديها أربع إعلانات لمواقع تراث عالمي، «المسجد، الحي التاريخي، فضائيات البيوت ومدينة الزهراء». والتي تجعلها قبلة لتاريخ حيّ على ضفتي الأبيض المتوسط، هذا بحرنا الذي كل مرة ننظر إلى ماضيه وحاضره، نرى كيف يُصبح بُحيرة أو طريق مُعبد بالماء

وفي الختام، أود أن أقول: إن الحضارة الرومانية والإسلامية على مر القرون، أعطتنا أكثر ما نقدره لها، لنشعر بأننا بشر، وبالتالي من عائلة واحدة، أينما كنا ومن أي دين كُنا أو ذكرياتٌ مُختلفة كانت لدينا

عبده التونسي


Anuncio publicitario