صلاح جمال، طبيب ومؤرخ. كتابه الأخير: النكبة، 48 قصة

كنت أرى والدي في كثير من الأحيان يأخذ مفتاحًا ضخمًا من صندوق خشبي، ويصقله ببضع قطرات من الزيت، ويعيده إلى مكانه وهو يتمتم بإهانات شديدة ضد بريطانيا العظمى والصهاينة. أما والدتي فكانت من المطبخ الصغير تُنبهه: لا تنسى أيضًا الملوك والرؤساء العرب
المفتاح يرمز إلى النكبة (النكبة الفلسطينية في أيار / مايو 1948) التي سحق فيها المستعمرون اليهود الأوروبيون، بدعم من القوى الغربية، المقاومة البدائية والبطولية للسكان الفلسطينيين والعرب الذين ثاروا ضد خطة الأمم المتحدة الظالمة (التي تُسيطر عليها القوى الاستعمارية) عام 1947. تمثلت هذه الخطة في تقسيم فلسطين إلى قسمين (56٪ من الأراضي لـ 300.000 يهودي وصلوا حديثًا و 44٪ لمليون فلسطيني، أهل البلد). أعلن اليهود من جانب واحد تأسيس دولة إسرائيل التي اعترفت بها القوى العظمى على الفور، وخاصة القوى الأوروبية، المستفيدة الحقيقية. بذلك حققوا هدفاً مزدوجاً وغير أخلاقي: من جانب التخلص من يهود أوروبا، ومن جانب آخر إنشاء دولة شرق أوسطية تعمل كحاملة طائرات برية لحماية مصالحهم، بالضبط كما اعترف بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بنفسه. وهكذا، أصبحت الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني لاجئين بين عشية وضحاها

من الواضح أن الانتصارات والهزائم في الحروب هي من شؤون الرجال: هناك المبالغة أمام النصر والسكوت والخجل من الهزيمة. كان والدي من المجموعة الثانية. لم يخبرني قط بقصة هذا المفتاح المدلل. بينما أوضحت لي والدتي بأن ذلك المفتاح كان مفتاح منزلنا في بيسان في فلسطين، حيث أغلقنا الباب وهربنا نتيجة مذابح الطنطورة ودير ياسين وغيرهما التي ارتكبها الصهاينة. لقد قام والدك العنيد، مثل آلاف الفلسطينيين، بحراسته والاعتناء به ليوم العودة التي طال انتظارها، مع العلم أن المنزل إما سُوِّيَ بالأرض أو تم استيطانه مِن قِبَل مستعمر يهودي بولندي أو روسي
