بعد قدوم ملوك الشرق الثلاثة والاحتفال بهم ليلة الخامس من كانون الثاني / يناير ولهفة الأطفال للعودة للبيت والنوم حتى يأتي صباح يوم السادس من كانون الثاني / يناير، يومهم بكل ما له من معنى للفرحة بالعيد، تماماً كأي عيد في أي مكان من العالم، الأطفال هم بهجته وزينته

يستيقظ أطفال إسبانيا ومباشرةً يجلسون مقابل شجرة عيد الميلاد ينتظرون ان يستيقظوا الآباء كي يمزقوا بشغف الأوراق التي تلف الهدايا. وإن نظرت لتعابير وجههم ترى مدى هي فرحتهم وخاصةً إن هم كانوا مهذبين ومطيعين خلال العالم المُنصرم وقد حققوا كل ما طلبوه من ملوك الشرق

هذا اليوم يومهم، ولذا فهم محور العيد ولو ان للكبار أيضاً نصيب من الهدايا التي يتبادلونها. وإن خرجت عند الظهر للشوارع، ترى شيء فقط يحدث مثل هذا اليوم، الأطفال يعرضون ويلعبون بألعابهم الجديدة مع اصحابهم ويلفت نظرك كم هي مليئة بالكارتون والورق حاويات النفايات. هكذا قد اتموا مهمتهم «ملوك الشرق السحرة» ويعدون ادراجهم لبلادهم وهم فرحين بإسعاد أطفال إسبانيا

هذا اليوم وبعد استلام الهدايا، يبدأ بتهنئة أطفال الأقارب والأصدقاء بجملة «عيد ملوك سعيد» وهنا ليس لتهنئة الملوك بل هو اسم هذا اليوم «يوم الملوك» ويعني عيد قدوم ملوك الشرق واحضارهم الهدايا. العائلات تُقيم الولائم في البيت مع الأقارب او في المطاعم. الفرحة كبيرة ومشاهدة العائلات لأطفالهم سعداء يتوج جهدهم في تربيتهم. الطفل له مكانه كبيرة في المجتمع الإسباني كما هو في سائر البلاد ولكن ما يلفت النظر انه عندما تلتقي العائلات في الساحات او الشوارع، السلام الأول والحارّ هو للأطفال وبعده يكون السلام على الكبار

Peladillas para Navidad | San Enrique

بالنسبة لأطباق الطعام متنوعة وحسب المنطقة او حتى القرية وذلك لإعتماد السكان على المنتوج المحلي وهو متنوع للغاية. أما بالنسبة للحلوى فلا جدال حولها، إنها «كعكة الملوك» وهي كما هو الحال لأكثر من 80% من حلوى إسبانيا مكوناتها أتى بها العرب من بقاع الشرق في العهد الاندلسي وأكثرها من أصول عربية أندلسية، ولهذه الحلوى العربية الاندلسية لنا إن شاء الله حديث طويل في مقالة أخرى

كيف هي «كعكة الملوك»، شكلها مدور ومكوناتها الطحين والبيض وماء الزهر والزبدة والسكر وقطع من الفاكهة المُسكرة للتزين. وهنا عادة متعارف عليها وهو وضع مُجسم صغير داخل الكعكة وتسمى «مفاجأة» كون ان لا أحد يعلم اين هو هذا المُجسم ويكون من عدة اشكال، الشخص الذي يجد المُفاجأة في قطعته تقول العادة علية شراء كعكة العيد القادم. على فكرة منذ حوالي عشرين عام بداءنا نشاهد كعك محشو او كما يقال في المغرب العربي مُعمر، بالقشطة ولكنه تطور في الآونة الأخيرة واليوم يمكنك شراء كعكة الملوك حسب الملك الذي يروق لك أكثر، حيت ان الحشوة ممكن ان تكون قشطة (الملك مالشور وهو ابيض) او قشطة بالكاكاو (الملك غاسبار وهو حنطي) او شوكولاتة (الملك بالتسار وهو اسود)

هذه المُجسمات هي من بعض الكعك التي عبر الأعوام السابقة تناولناها في البيت

مع كل كعكة هناك تاج كي يضعه الطفل الأصغر سنناً على راسة وهكذا يكتمل الحفل بمقولة «الأطفال هم ملوك البيت» والكبار أحياناً يضعونه على رؤوسهم وكأنهم يردون العودة للصغر، وتحسبهم يقولون ليت الطفولة تعود يوماً

هذه العادة بشراء كعكة العيد القادم إذا وجد المفاجأة، تعمل على دوام العلاقات العائلية. وهناك من المخابز من يستغلها لترويج بيع كعكته بوضع ورق نقدية، وحدث ان إحدى هذه المخابز في مدريد أن وضع ورقة نقدية بقيمة 500 يورو!!! الحظ والمفأجات لا تتوقف على هذا فقط، في هذا اليوم يتم سحب اليانصيب الذي يُعرف «بيناصيب الطفل» وهو ثاني سحب مُهم في السنة بعد سحب «يوم الميلاد»، الإسبان بنسبة كبيرة جداً يؤمنون بالحظ في اليانصيب وإسبانيا من البلدان التي يكثر بها شراء ورق اليانصيب، حتى انه يوم سحب يوم الميلاد يُعتبر يوم حفل بالحظ

وعلى ذكر المخابز، راودتني مخيلتي بأن لو مازال اليوم، مخبز ابي قائم «مخبز القناعة ـ زعبي وتونسي» الذي كان في وسط مدينة عمّان، لكنت قد نقلت لهم وصفة هذا الكعكة وربما كان لنا الاحظ الاوفر بأن نكون اول من يقدمها في البلاد العربية كعودة من الغرب إلى الشرق

لنعود ونختم بملوك الشرق وعيد الطفل الذي تحتفل به الشعوب والناس من الديانة المسحية بتمجيد ولادة سيدنا المسيح عليه السلام، ولا بد من التنويه ان هناك احتفالات وعادات واقاويل عدة عن هذا الحدث، ولكن انا شخصياً أبقي مع معناه في ربط الإرث الحضاري بين الشرق والغرب وتلاحم العائلات وفرحة الأطفال